قد تكون هذه المقالة أكثر مقاربة من أي مقال آخر قرأته ،توضح لماذا يحتل دعم الثورة السورية أهمية حرجة وتاريخية للعالم كلّه. لقد قمت بالتدوين حول سوريا وكأن لا أهمية لشئ آخر أكتبه ، لأنه تقريباً.. لا شئ يعادل أهمية الموضوع. الثورة السورية بكل تأكيد ،مفترق طرق للإنسانية جمعاء.
أعيد نشر ما نشره مايكل نيومن في الأول من مايو 2013 بعنوان : "تقدير غير كاف" وقد أضفت عليها ما ورد بالكتابة الغامقة.
توجد أسباب عديدة لدعم كل من الثورة السورية ووحدات الجيش السوري الحرّ.لكن رغم وجود التعاطف مع الشعب السوري ، لم تنطلق تلك الأسباب المذكورة مطلقاً من حاجات السوريين الجوهرية. عوضاً عن أن يعبّر عن حاجات السوريين، كان النداء معبراً عن مصالح الآخرين الضيقة للغاية،وغالباً باستخدام مصطلحات سلبية الطابع : عدم دعم الجيش الحرّ سيشجعّ المتطرفين الإسلاميين،سيشعل حرائق أقليمية،يبدّد فرص الحديث حول مستقبل سوريا،يعرقل العمل بالاتجاه المطلوب للحد من انتشار الأسلحة الخارج عن السيطرة، يتيح شرعنة الميول المعادية للغرب في سوريا. يُنظر إلى السوريين بصورة رئيسية إما كمصدر تهديد ،أو مجموعة واهنة غير قادرة على الأرجح على مكافحة التهديد الكامن داخلها.الفكرة هنا بطبيعة الحال هي، أن الأسباب المنطقية القوية يمكن أن تجد مكانها فقط في الاتجاه الواقعي البراغماتي وليس في الاتجاه الضبابي الغائم. لكن هناك جانبان على الأقل يعود إليهما جذر المشكلة يؤديان إلى قصر النّظر في تقدير ما يتعلق بالوضع .إنّهما يستحضران مبادئاً وفرصاً تاريخية كبرى – الفرص التي لم يتم التعريف بها من بين الحوافز الكبيرة والتي تشكلّ في الواقع محرّكاً مهماً في الصفقات الجيدة للنشاط السياسي. لهذين الجانبين آثارٌ على العالم كلّه، لم يتولّدا في قلب المصالح فقط، ولكن أيضاً بإنجازات الشعب السوري وثورته،أحدهذين الجانبين سلبي والآخر إيجابي.يتعلق الجانب السلبي بما يعانيه السوريون.استغرقت وقتاً طويلا كي أدرك أن معظم الناس لا تدري على الأرجح حقيقة المدى الواسع لوحشية الأسد، أو كيف عقدوا المقارنة مع الوحشية التي كنا قد عرفناها وقد عانينا منها في أماكن وأزمنة متعددة.وحشية الأسد، ليست ذلك النوع من المادة الصحفية التي تصلح للصفحات الأولى،لاشئ يكفي لوصفها فقط ولكن في تكوينها الدقيق، فإن لأهوال سوريا أهمية فريدة من نوعها.أوّلاً،تحضر الهمجية المطلقة. أنظمة عديدة مارست التعذيب بنفس الدرجة المروعة التي استخدمها الأسد- يخطر في البال بينوشيه في تشيلي وإيران تحت حكم الشاه- لكنها لا تماثل وحشيته تماماً لسبب بسيط : التعذيب الأسدي ليس مقتصراً على البالغين، أقلّ من هذا بكثير،على أولئك الذين لا يشكلون أي تهديد. بل ايضاً على الأطفال الذين لم يبلغوا سن المراهقة بعد، تعذيب الناس المصابين في المشافي وهم على أسرتهم وأفراد الطواقم الطبية. وهذا غير اعتيادي بصورة مذهلة. بعض الأحيان يتم تعذيب الأفراد للحصول على معلومات وعلى الأقل للاعتراف بفعل شئ ما فعلوه أم لم يفعلوه. غالباً،يتم تعذيبهم حتى الموت ببساطة.ببساطة قتلهم تحت ألم مبرح.!ثانياً، قوائم التعذيب الكبيرة. من تعرّضوا للتعذيب يُعدون بالعشرات،بل ربما بمئات الآلاف. الوفيات تحت التعذيب تُسجل بشكل يومي تقريباً. ربما كما عاني كثيرون قبل ذلك في كمبوديا،أو رواندا،أو الكونغو. لا تتتوافر أرقام حول ذلك.بممارسة مثل هذا الوحشية التي لا توفّر فرداًعلى هذا المجال الواسع،يكون لدى الأسد منافسون قليلون كصدام حسين ربّما. ولكن في سوريا يوجد بعدٌ آخر للكابوس ولكونه ليس بالقدر الوحشي المحسوس فهو لا يقلّ فرادةً عنه.أعمال بهذه الوحشية لم يحدث مطلقاً أن كانت متاحة للمشاهدة وحسب، بل قريبة جداً وفي متناول ما يمكن تسميته التيار العالمي الحالي.ممارسو التعذيب لديهم حسابات فيس بوك وتويتر.وهم غالباً يسجلّون جلسات التعذيب التي يقومون بها حتى الموت أو بتر الأطراف على هواتفهم المحمولة. عندما يتم القبض على الجناة،يتم رفع الفيديوهات على يوتيوب.في العالم الذي تتحدد فيه معايير الحضارة عملياً من خلال انفتاحها على الإعلام الرقمي، يكتسب هذا النوع من السادية المتاحة للعامة والمغمسة بالعار أهمية فريدة من نوعها.لأن الأعمال الوحشية في سوريا مفتوحة على العالم – كجزء لا يتجرأ من العالم- فإن فشل دعم المقاومة في سوريا ليس أكثر من مجرد خطأ استراتيجي !.وبذلك يبدو التاريخ أمامنا كسلسلة من الإخفاقات الأخلاقية،وهذا واحد منها.الشرور الأخرى، أن هذا التيار العالمي استطاع تجاهل أو التظاهر بالتجاهل أو حتى التقليل من أهمية الموضوع .لا ينفع هذا ولا ينفع التذرع ببعض الأيديولوجيا أو منطق الدولة لشرح الحالة ولو بصورة جزئية. سوريا ليست مهمة بالقدر الكافي لتكون لاعباً اقتصادياً أو استراتيجياً.الأسد ليس حليفاً مفيداً لأحد،ونظامه لا يمثل قضية ولا يسعى لأن يكون مثلاً أعلى. حتماً ،لا سبب يستدعي دعمه.إذا كانت كل هذه الأعمال الوحشية غير جديرة بالمواجهة بكل قسوة وحزم،فبم هي جديرة إذن؟ أي نوع من العدالة أو النزعة إلى الخير لأي أحد منا - يمكن أن تكون جديرة بالسعي إليها وتحقيقها إن لم تتم مواجهة هذا الشرّ؟جبن العالم وسلبيته في مواجهة تلك الجرائم أدى خدمة لا تقدر بثمن للنظام السياسي السائد.لا أحد بإمكانه تقييم النتائج المترتبة على هذا الفشل، لكن من الصعب تخيّل أي شئ أقل كثيراً من خسارة نهائية لمكانة كل مبدأ سائد ولكل مؤسسة مكرسة لدعم هذا النظام من الأمم المتحدة إلى محكمة العدل الدولية إلى حلف الناتو وكل الأبهة لكل منظمات حقوق الانسان الغير فاعلة بشكل واضح. نرى نتيجة تمتد توابعها أبعد مما يجري، كالاسلاميين المتطرفين،الحرب المذهبية، الأسلحة المنتشرة وزعزعة الاستقرار الاقليمي.مع ذلك،فالخطر الذي الذي تسببه المأساة السورية، هو صنيعة هذا التيار العالمي نفسه. ستمضي هذه المأساة أبعد من ذلك، أيّاً تكن احتمالية ما يمكن للسوريين تقديمه للآخرين.باختصار،الامتناع عن دعم الثورة السورية كشف عدم الجدوى من كل كيان سياسي،كل دولة،كل محكمة،كل جمعية،كل حركة،كل من يتزيا بحقوق الانسان والتي من المفروض أنها تعمل على تمدين العالم. إذا بدا ذلك متطرفاً،إسأل نفسك:متى ستقوم هذا المؤسسات صاحبة الاستحقاق بحمايتنا من القمع الوحشي.وبالإمكان أن تسأل :كم هو طويل الوقت الذي نحتاجه كي نمسح من ذاكرتنا هذا الفشل المعمم.لكن هناك سبباً إيجابياً أيضاً يقع في عمق ما تمثّله الثورة السورية.إذا انتصرت، ستكون الإحتجاجات السورية في الحقيقة ، هي الاحتجاجات الشعبية الثورية الأولى التي تنجح منذ عام 1789-الأولى منذ فجر انطلاق العصر الصناعي.خلافاً للثورات الروسية أو الصينية أو الفيتنامية أو الكوبية.هي ليست منظمة أو تحت سيطرة بعض القيادات الطليعية النخبوية. خلافاً لثورة القرن التاسع عشر في إيطاليا أو أمريكا اللاتينية لم تنجم عن التفاف حول قيادة ما ،وحرفياً تماماً، رجل على صهوة خيل.لم تندلع تحت درع بطل عسكري كما في كمال أتاتورك تركيا.خلافاً للثورة التونسية، لم تنجح بسبب انهيار النظام.خلافاً للثورة الليبية،لم تعتمد على مشاركة الدعم الخارجي.خلافاً للثورة المصرية،لم تترك كثيرين من عناصر النظام القديم في أماكنهم ،طبعا لم يحدث ذلك دون موافقة غير معلنة من قبل القوات المسلحة على الأقل.عندما يمضي الناس في الحديث عن عدم وحدة المعارضة،فهم لا يأخذون في عين الاعتبار الاختلاف التالي: يمكننا الحديث عن عدم وحدة او تفتت جسم معين كان واحداً موحداً يوما ما – حركة،حزب،أو دولة. وبشكل طبيعي هذا ما ستجده حين تكون هناك ثورة. لكن أحدا ًلم يتبرّم لكون الثورة الفرنسية عانت كذلك من عدم التوحد.كما هو الحال في الثورة السورية، كان احتجاجاً شعبياً عفوياً يشير تفرّقه وتشتته إلى أبعاد الموضوع في جذورها وظروف نشأتها.هذا ليس مجرد حدث تاريخي غريب، إنه دليل على شئ غير مفهوم تماماً: أناس يبدؤون من لا شئ،يمكنهم أن يهزموا دولة حديثة مستبدة بقدر ضخامة وتعقيد جهازها القمعي وبقدر ما يمكن لطاغية أن يتمنى. العنصر المفصلي في هذا البرهان هو شجاعة السوريين.ذلك يفوق كثيراً أي شئ تمّت مواجهته مسبقاً. لم يحدث من قبل أن رفض المدنيون الاستسلام للخوف أمام مثل هذه الوحشية المعممة، مثل هذا القتل بالرصاص مثل هذا الذبح.الثورة السورية تعطي أملاً جديداً للعالم ولذلك هي تطلب الدعم الصادق والحاسم.الدعم الحاسم لا يعني دعماً طائشاً متهوراً.هو لا يعيق الحل لمعالجة الأخطار الحقيقية بحد ذاتها التي تطرحها هذه الثورة.حتماً ،على المساعدين أن يستعدوا للعمل لمواجهة الاحتراب الطائفي، والأشكال الأخرى من العنف المتطرف في سوريا وخارج سوريا. تلك الأخطار يجب مواجهتها في جميع الأحوال.هذه الاحتمالات المرعبة لا يجب أن تعمي أحداً عن الالتزامات المستحقة، لا يجب االتنحّي جانباً والوقوف على الحياد، بل تقديم المساعدة لإنجاح هذه الثورة.
This comment has been removed by the author.
ReplyDeleteالشكر جزيل الشكر لك باسل لترجمة هذه المقالة المهمة للغة العربية على أمل أيصال محتواها ونشرها للعرب ثانياً وللسوريين أولاً.
ReplyDeleteشكرا ريم. نرجو المتابعة
Delete